ميزانية الأسرة.. بين الواقع والمأمول..!!

د. محمد بن علي الرشيد
قديما قيل : إيقاد شمعة في الظلام أنفع من ألف لعنة له..
إن المتأمل في أحوال كثير من ذوي الدخل المحدود – حين ارتفعت الأسعار – يجد التذمر السلبي الذي لا يختلف كثيرا عن لعن الظلام، وكان بالإمكان مواجهة هذه المرحلة ( التي أرجو أن لا تطول) بإعادة موازنة الأسرة.. وقد عانت تلك الميزانية من عدم الموازنة سنينَ عددا، وطغت فيها الكماليات على الأساسيات، وقادتها شعارات التبذير والسرف حتى قال قائلهم : ( أنفق ما في الجيب يأتيك مافي الغيب) في ممارسات لا تكاد تنتهي!!
وما أجمل أن تتحول ردود أفعالنا إلى تصرفات راشدة تقود أُسَرِنا إلى بر الأمان..
إن الأسرة أيها الأفاضل – مهما كان حجمها – هي في واقع الأمر تُمثّلُ مؤسسة تُمارَس فيها غالب العمليات الإدارية والمالية، وبالتالي فهي معرضة للربح والخسارة، وقد يصل بها الحال إلى الإفلاس والقضاء عليها إن لم تُدار بالطرق الصحيحة والآمنة..
ولا شك أن أيام الرخاء ساترة للخلل، أما حين يصبح الفائض محدودا أو منعدما فستجد أن التذمر بدأ يدب في الأسرة، وستجد البحث عن شماعات يُعلّق عليها الفشل.. في كل مرة لا تستطيع الأسرة تأمين احتياجا أساسيا..! وعندئذٍ تسقط الأقنعة المخملية لتكشف الحقيقة عن الممارسات الإدارية والمالية السيئة التي كانت تُسيّر مركبة الأسرة..
وداهية الدواهي حين تبدأ المعالجات بأساليب ردود الأفعال السريعة على طريقة : ( غسل الدم بالدم) إما عبر بطاقات الديون البنكية، أو الديون المباشرة من الأفراد، ويدخل رب الأسرة بعدها في نفق الديون الذي يحوي الهمّ في الليل والذل بالنهار..
أيها الأفاضل : إن أول ما يتعلمه دارس القيادة.. أن مفهومها وحقيقتها : ( القدرة على التأثير في سلوك المنظمة التي يقودها، وأن يتمكن من توحيد جهودهم للوصول إلى الغايات المنشودة)، ولا يمكن لرب الأسرة أن يقوم بدور القائد الناجح وهو لا يعدو كونه صرافا آليا يتسابق أفراد أسرته على (حَلْبِه) آناء الليل وأطراف النهار..!!
إن رب الأسرة الذي يعاني من زيادة الأسعار ويختار أن يتحمل هو كامل التبعة( دون بقية أسرته) سيصل يوماً إلى الانفجار الذي قد يفقده أسرته حسّاً أو معنى..
ولو بادر وجعل الجميع يدرك ويتحمل مسؤولية المرحلة الحالية لفُتحت له أبوابُ الخير، وسيكون حينها كمن أوقد شمعة في الظلام..
وخلاصة القول : أن الذي يريد سيرا متوازنا لا تنغيص فيه.. لا بد وأن يحدد احتياجات أسرته الأساسية ويبدأ بها بأن يخصص لها مبلغا من أول الشهر، ويُرٌحّل كل حاجة كمالية إلى مابعد تأمين الأساسيات..
وقد قال أهل الحكمة : ( من اشترى ما لا يحتاج باع مايحتاج)