( حسين ) بصمة في أواخر الثمانينات ..

بقلم الشيخ د. محمد بن علي الرشيد
مما حُفر في ذاكرة غالب من عاصروا بداية التسعينات الهجرية .. تلك النقلة النوعية التي حصلت في بلدتي القديمة وقرة عيني ( رياض الخبراء ) ..وما يمكن أن يسمى بالتسويق المتكامل حين قدم إليها رجل من المنطقة الشرقية ..يحمل نفسا طاهرة , وبسمة لا تكاد تفارقه , مع ما يتمتع به من امكانات التاجر الماهر , يأسر القلوب قبل الجيوب ..
في زمن كان ( الصَلَف ) سائدا عند أصحاب الدكاكين التي تُعد على أصابع اليد الواحدة ..
إنه الراحل ليلة البارحة والجار الغالي / حسين بن صالح الوقيصي رحمه الله رحمة واسعة وجعل ما أصابه طهورا ورفعة في درجاته ..
لا زلت أذكر دكانه الباهر – في وقته – وهو يفتح على ساحة المجلس من الجهة الشرقية ..
كأني أنظر إليه ببابه ذي اللون السماوي والذي يحجب خلفه دكانا يستحق أن يقال عنه : ( كل ما تحتاجه تحت سقف واحد ) فإن شئت المواد الغذائية وجدتها وزدتَ كل ما يجلب إليه من الخضروات من (الفلاليح) , وإن رغبت في الأدوات المدرسية لبى حاجتك وزيادة , وقل مثل ذلك عن الملابس , ولم يغفل رحمه الله حتى بعض أدوات البناء كالكوالين ونحوها ..
أما ما يطلبه الأطفال من الحلوى ومكسرات ذلك الزمن فحدث عن كل جديد ولا حرج ..
كل ذلك أيها الأفاضل يسوّق بابتسامة غير متكلفة , وعبارت دافئة تصل إلى القلوب ..لا تكاد تخرج عن ( أبشر , سم , مايخالف , أبرك الساعات ) ..
كان لدكانه رائحة جاذبة لا تقاوم ..
أما دفتر الديون وإن قلت دفتر التوسعة على الناس فقد وصفت الحقيقة التي لا زمته طيلة حياته رحمه الله ..
كان لا يشعر من زاد دينه بمنّ ولا أذى , وشعاره الله يبارك بحلال يقضي اللزوم ..
أما أمانته وصدقه في البيع والشراء فلا يكاد يوجد له مثيل , يشهد بهذا كل من دخل اسمه في دفتره _ لأنه كان يسجل كل ما يبيعه, نقدا أو دينا _
هذا ما يعرفه الناس , أما ما أعرفه أنا بحكم الجوار فيفوق كل ما ذكرته لكم ..
ومهما نسيت من فضائله فلن أنس قيامه على والدته رحمها الله خير قيام حين عُمّرت وعوّقت وعميت ..حيث حبس نفسه على برها في صغير أمورها وكبيرها ..وكأني أنظر إليه وهو يترفق بتمشيط شعرها في شمس الشتاء , أو ما نسميه ( المشراق ) ..
رحل أبو صالح وخلّف أبناء يحملون الفضيلة بكل معانيها ..وخلّف أنموذجا للتاجر الطاهر الذي يعطي كل ذي حق حقه ..وصدق فيه قول الأول ..
فما كان قيس هلْكُه هلكَ واحد
ولكنه بنيان قوم تهدما ..
محبه والداعي له بخير
د. محمد بن علي الرشيد