هادمو اللذات ومفرقو الجماعات ..!!
بقلم: أحمد سليمان النجار
دخلت عجوزٌ بيتاً لتعزية أهله في فقيدٍ لهم , وعندما همتْ بالخروج , شاهدتْ بابَ حجرة مفتوح وبداخلها سرير وعليه مُسنٌ نائم , فقالت لأهل الدار :
( يلا ، عظم الله أجركم , وكمان عظم الله أجركم في هذا – وأشارتْ للمسن – رجولي توجعني وماقدر أجيكم ثاني مرة ..!! )
ليس عن الموت أتحدث , ولكن عن فئة من الأشخاص لاتكاد تخلو أسرةٌ منهم , هذه الفئة هي القاسم المُشترك في فُرقةِ ونزاعات وتشتت كثير من ألأسر التي قدمت لهم استشارات , هذه الفئة تملك قدرة مدهشة – جديرة بالتدريس – على اختراع أسباب المشاكل في الأسرة , ولا أعني ال ( Batwoman ) التي تهبط بمركبتها الفضائية على منزل الأسرة , هي وأطفالها الخارقون – من الخرق والتمزيق والاتلاف – ومسموح لهم كل شيء , ولايُسمح لكائن من كان أن يقول لهم : ( ثلث الثلاثة كم ؟!! ) , وفي حال تهورَ أحدٌ ما وفعل ذلك , فهذا سبب كافٍ للغاية لإثارة مشكلة كبيرة , ولو تمادى الشخص ولمس رأس أحد أطفالها المٌربعة الشكل , فهذه أم الطوام الكافية لجمع شتات ( بزرانها ) وركوب مركبتهم الفضائية ومغادرة المنزل ..!!
ولاأعني عضو الأسرة ( ثقيل الدم ) والذي أقترح على قناة ( ناشونال جيوغرافيك ) أن تُقدم عنه سلسلة حلقات على غرار ( خُلِقَ ليفترس ) وتكون بعنوان : ( خُلِقَ ليَغُث ) , وتختلف ( ثقالة الدم والغثاثة ) من شخصٍ لآخر , فبعضهم ( ملقوف ) وبعضهم مزاحه خشن , وبعضهم ( يدربي الهروج زي الصخور ) , وقائمة لاتنتهي من ( ثقالة الدم والغثاثة ) ..!!
ولاأعني الحساس الذي يحتاج إلى أن يكون الجميع حذرون معه في كل شيء ..
هذه الأصناف وأن كانت من مسببات المشاكل والخلافات في الأسر , إلا أنه من الممكن احتواء شخصياتهم والتأقلم معها , وسرعان مايعود الوضع المتأزم بسببهم إلى الانفراج والعودة إلى طبيعته ..
ولكن النموذج الذي سأعرضه لكم , بعد أن أطلب من حضراتكم ارتداء الدروع الواقية وإتخاذ كافة التدابير الاحترازية قبل أن أعرضه عليكم :
هو ذاك الشخص الذي يملك مهارة عالية للغاية في توسيع دائرة النار , ولايتورع في توسيع دائرة الخلاف وإدخال كل من يستطيع إدخاله في المشكلة , فيكتشف المتورط معه بسبب خطأ ما – مقصود أو غير مقصود – بأن كرة ثلج قد بدأت بالتدحرج من مرتفع شاهق , فهي تكبر وتكبر وتكبر , وكل يوم يرتطم بمواقف معادية من أناس مختلفين , بعضهم لم يكن موجوداً أثناء حدوث ألأمر , وهذا الشخص لعامل الوقت معه تأثير عكسي للغاية , ففي أي مشكلة , كلما طال الزمان , كلما هدأت وتلاشت , إلا معه , فكلما طال الزمن ازدادات المشكلة , وهو لايعرف التنازل ولا التراجع ولا الندم , ولايقف عن حد من التسوية إكراماً لمجتمع ما أو صلة ما , ولا يبالي أن يورث لأولاده عدوات لاتنتهي , حتى بعد أن تنتهي مشكلته السخيفة مع الشخص المتورط معه ..!!
ولعله هو من عناه الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله :
( أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) وهذا من باب التعميم في اللغة , يشمل الرجل والمرأة ..!!
وهذا الصنف وإن كنا نلتمس له العذر كونه – كما يقول علم النفس – مصاب بما يُسمى ( بالاعتلال الاجتماعي ) وهو فرع من فروع ( الاعتلال النفسي ) والمسبب لاضطرابات في الشخصية , وهي هنا نوع من أنواع اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع , وكما أشار عالم النفس الأمريكي ( ثيودور ميون ) إلى ذلك , عندما قسم ذلك الاضطراب إلى فروع , ومنه :
الشخصية الحقودة , ومن بعض سمات هذه الشخصية :
عدواني ، حقود ، قاسٍ ، امتعاضي؛ يتوقع الخيانة والعقاب؛ يرغب في الانتقام؛ ومن الأمور التي تدعو إلى الشفقة عليه , وعدم فقدان الأمل في احتوائه وعلاجه , هي أن من سمات هذه الشخصية , كما يقول نفس العالم : البراءة , والشجاعة ..!!
ولن أطيل كثيراً في هذا المبحث وأتركه للمختصين , ولكني سأعود للعلاج من زاوية أخرى , وهذه الزاوية هي أنه للأسف ، هذا الصنف لايكتسب قوته من قدراته وإمكاناته , فقد يكون هناك من هو أقوى منه بكثير , ولكنه يكتسب قوته من سلبية المحيطين به , فمعظمهم يشتري السلامة ويُفضل أن يبتعد عنه وأن لايكون طرفاً في أي نزاع أو خلاف , بأي شكل من الأشكال , وهذا التنحي يجيد هذا المضطرب قراءته جيداً , فيزيده ذلك تمادياً , لأنه يشاهد نتيجة سلوكه أمام عينيه , ومن يفكر ولو في لومه أو معاتبته يكون قد فَتَحَ على نفسه أبواب جهنم التي لاتُغلق , ولن يجد له نصيراً ولا معينا ..!!
ومع الوقت يبدأ الكثير في التعامل مع هذا المُضطرب – ولأسباب عديدة – بما يضمن عدم خروج الرجل الأخضر ( The Hulk ) , عبر التنازل والخضوع والانسحاب , وتصبح الأسرة كلها عازفة عن الاجتماع ومتخوفة من اللقاء – على رغم حبهم لبعضهم – بسب هذا الشخص , ثم مع الوقت تتفرق الأسرة وتتلاشى وتنتهي , وتأتي الأجهزة الذكية لتُكمل ماتبقى عبر الانشغال بها ..!!
وعلى الحقيقة كل ذلك حدث بسبب أن الأسرة لم تعتمد في علاج هذا النموذج على الوصفة الربانية العبقرية والمضمونة , والمتمثلة في قوله تعالى :
﴿ وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾
فحقيق على الأسرة أن تتخذ هذا الإجراء : فتحاول الإصلاح قدر المستطاع , ثم إذا وجدت أن طرفاً يبغي ويتمادي , يتخذون معه موقفاً صارماً للغاية , لعله يعود إلى جادة الصواب , فإن عاد أتموا الصلح بالقسط ..
ولكن هذا العلاج لايؤتي ثماره , إلا إذا كان في الأسرة كبار , تنزلهم الأسرة منزلهم , ويكونون هم صمام الأمان , ومرجع العائلة ومحكمتها المُصغرة , ولأن الكبار غابوا – اختياراً – أو غيبوا – إجباراً وتجاهلاً – بات هذا الحل صعب للغاية ..!!
ولأن بعض الأفراد في الأسرة الواحدة , قد يكون هذا الوضع يجر فائدة أو أكثر لهم , فهم يحرصون على تغذيته وإطالته وعرقلة أي حل له ..!!
ولكن كل ذلك لايصلح أن يكون مُبرراً لعدم الحل، ولا لتعليق الجرس – على الأقل – وحل الاكتفاء بالعائلة المُصغرة والتقوقع حولهم , هو حل مؤقت , لأن هذه العائلة ستنمو مع الوقت وتكبر , ويعيد التاريخ نفسه , ويوجد من بين الأخوة والأخوات هذا ( الرجل الأخضر ) , وتتكرر المأساة مع الأسرة الصغيرة التي كانت هي الملجأ من قبل ..!!
وقبل أن أختم المقال , أشير إلى أن هذا ( الرجل الأخضر ) قد يوجد حتى في بيئات العمل – وإن كان بشكل مختلف قليلاً – وأشير إلى كتاب :
ثعابين في بذلات العمل (عندما يذهب السيكوباتيون إلى العمل) – بول بابيلك وروبرت هير , ولن أكتب مقالاً حول ذلك لأن ( يدي توجعني وماأقدر أكتب الآن ..!!