تشهد مدينة الرياض هذه الأيام ازدحاما مرورياً صعباً على مدار اليوم في جميع طرقها الرئيسية والفرعية، إلى درجة تصل حد الاختناق، وهو ما يتسبب في انزعاج سكان المدينة والسياح القادمين إليها من دول ومدن أخرى، إضافةً إلى تأخير وصول الموظفين إلى أعمالهم، وتعطيل الحركة الاقتصادية اليومية للمدينة، الأمر الذي بات ضرورية تقديم حلول هندسية وتصميمية عاجلة لحل هذا التحدي الذي تواجهه العاصمة وسكانها. بدورها التقت المختص في هندسة وتصميم الطرق المهندس عبدالعزيز السحيباني، لمعرفة سبب الاختناق والازدحام المروري الذي تشهده العاصمة وطرق حلها، والذي أكد بقوله: أن ازدحام شوارع الرياض له أثر بالغ على الحياة الاجتماعية والاقتصادية لسكان المدينة بشكل مباشر، حيث فاق الازدحام كل التوقعات، وستصل الحركة معه إذا استمر على هذا الحال إلى الشلل التام، مما يؤدي إلى نتائج عكسية لا نرغب بها، مثل نفور المستثمرين، والسياح عن المدينة، حيث ستصبح مدينة الرياض حينها، مدينة طاردة للاستثمارات بشتى أنواعه.
وتابع السحيباني: “أن ازدحام العاصمة سيؤدي إلى تراجع إنتاجية الموظف، وتراجع كفاءة الإنتاج، وكفاءة التعليم، بالإضافة إلى جودة الهواء بسبب التلوث الناتج من عوادم السيارات التي تزحف في الطرق يومياً وتتراكم عند الإشارات الضوئية، الأمر الذي سيساهم في زيادة الانفعالات والاضطرابات النفسية لدى الأشخاص”.
سبب ازدحام مدينة الرياض
وأوضح: “أن السبب الحقيقي والرئيسي وراء ازدحام شوارع مدينة الرياض هو في زيادة حجم المرور عن السعة التصميمية للطرق والشوارع، حيث إن الطرق والشوارع كانت تستوعب حجم المرور بعد تنفيذها، واستمرت المنشآت والأحياء السكنية تنتج أعداداً كبيرة من الرحلات دون أن يتم زيادة السعة التصميمية لهذه الطرق والشوارع”.
وتابع: “على سبيل المثال طريق الملك فهد كان مصمماً ليستوعب 80 ألف مركبة يومياً، وذلك حسب عدد المسارات والسرعة التصميمية له، ولكن شهد الواقع حالياً زيادة في حجم المرور اليومي بنسبة تصل إلى 300٪ دون زيادة عدد مساراته لمقابلة زيادة حجم المرور اليومي”.
ولفت إلى أن في حالة زيادة حجم المرور دون تدخل لزيادة الطاقة الاستيعابية لهذا الطريق وغيره أو تقليل حجم المرور باستخدام النقل العام فستصل الحركة للتوقف والشلل التام.
معالجة الازدحام
وقال السحيباني: “يمكن معالجة ازدحام العاصمة بثلاثة أشياء يمكن العمل عليها مجتمعة أو بالتدريج، وهي القيام بأعمال هندسية (فيزيائية) لزيادة السعة التصميمية للطرق والشوارع، وتقليل حجم المرور اليومي للمركبات وذلك باستخدام (نقل عام بالقطارات والحافلات، خطوط نقل للبضائع بدلاً من التوزيع والنقل بالشاحنات، وخلق إجراءات تنظيمية وتشغيلية لمستخدمي الطرق مثل العمل والتعليم عن بعد، تحديد مسارات سريعة للسيارات التي تحمل 5 ركاب وأكثر، منع دخول الشاحنات في ساعات الذروة، تحديد سقف لموديلات السيارات التي تسلك الطرق، إلزام الشركات بحافلات كبيرة لنقل العمالة بدلاً من سيارة لكل عامل، استخدام برامج الذكاء الاصطناعي لتنظيم حركة المرور”.
حلول قصيرة المدى
وأبان أن من ضمن الحلول التصميمية قصيرة المدى لحل مشكلة الازدحام هو زيادة مسارات الشوارع بما يقارب زيادة حجم المرور، وذلك بتوسعة هذه الشوارع بحيث يتم تقليص طرق الخدمة الواسعة بغرض زيادة مسارات الشارع الرئيسي، وتوسعة الشوارع وخاصة في حالة وجود مساحة فارغة حولها.
ونوه بوجود خطأ تصميمي هو أحد الأسباب الرئيسية لتراكم المركبات في مناطق معينة، وهو تغير عدد المسارات مع عدم تغير حجم المرور، مشدداً على أنه يجب توحيد عدد المسارات في جميع أجزاء الطرق المحورية كطريق الملك فهد والدائري.
واستطرد: “من ضمن الحلول قصيرة المدى والمهمة هو استبدال الإشارات الضوئية بمنحنيات رجوع، إما أرضية إذا وافقت الشروط الهندسية أو مرفوعة إذا لم تتوافق مع الشروط الهندسية، وتوحيد حركة المرور، بحيث تصبح باتجاه واحد في حالة وجود تباين كبير في حركة المرور بين اتجاهي الشارع، بشرط عدم التأثير على الحركة في شوارع أخرى، على سبيل المثال توحيد اتجاه الحركة بطريق الملك عبدالعزيز شمالاً وطريق أبو بكر الصديق جنوباً مع عدم زيادة الحركة على الطرق المتقاطعة معهما كطريق الملك عبدالله والدائري وطريق الملك سلمان”.
واقترح السحيباني “أن يتم إعادة برمجة الإشارات الضوئية بحيث تتوافق مع الموجة الخضراء للاتجاه الأكثر كثافة (green wave)، وتنظيم المواقف وزيادة طاقتها الاستيعابية، وزيادة نقاط الرصد للمخالفات المرورية (مثل الدخول للمخرج لتجاوز الازدحام والدخول بعد ذلك للمسار المستمر”.
حلول طويلة المدى
وشدد على أن أهم الحلول طويلة المدى لحل مشكلة الازدحام، هو تنفيذ أنفاق أو كباري تحت وفوق الطرق ذات الكثافة المرورية العالية، وتنفيذ كباري (ورقة برسيم) أو كباري موجهة (directional ramp) للتقاطعات الكثيفة الحركة حسب الظروف الهندسية لكل موقع، وتنفيذ طرق مرادفة تمتص الكثافة المرورية من المحاور الرئيسية طريق مثل دائري مرادف، طرق مرادفة من الشمال للجنوب أو من الشرق للغرب، وتنفيذ طرق تخدم الحركة المرورية وحركة الشاحنات العابرة للرياض دون المرور بطرقها ومن ثم زيادة الازدحام.
تصميم شوارع الرياض
وأكد “أن تصاميم معظم شوارع الرياض وخاصة المحورية مصممة بشكل ممتاز ومطابق للشروط ولكن زيادة حجم المرور عليها يتطلب إجراء تعديلات هندسية تتناسب مع المعطيات الجديدة، ومثال على ذلك تصميم ورقة البرسيم (clover leafe) بتقاطع طريقي الملك فهد والملك سلمان أصبح مزدحماً بسبب وجود تداخل بين النازل لطريق الملك فهد والمتجه لطريق الملك سلمان وتعديلها إلى تصميم (directional ramp) سينهي الاختناق بسبب عدم وجود تداخل في الحركة المرورية بالتصميم المقترح”.
الجهة المسؤولة عن مشكلة الازدحام
وأوضح “لا يوجد جهة واحدة مسؤولة عن ازدحام العاصمة فالأمانة والهيئة الملكية لتطوير الرياض ووزارة النقل كلها تنفذ الطرق دون ربط واضح بينها، والمعايير التي تعمل عليها مختلفة وغير موحدة والمرور جهة مسؤولة عن التشغيل وإدارة الحركة المرورية، مؤكداً أن الحل هو أن تنضوي مهمات تنفيذ وتشغيل الطرق تحت كيان واحد جديد أو أن يكون ذلك من مهمات الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض”.
معدل قضاء وقت الشخص في الازدحام
وأبان السيحباني “لا توجد معايير عالمية لقياس المعدل لقضاء وقت الشخص بالسيارة وهو يختلف من مكان لمكان حسب طول الطريق والبيئة المحيطة ونوع وسيلة النقل ودرجة الحرارة، حيث إن في الرياض يتراوح بين نصف ساعة وساعتين حسب بعد المقصد وزمن الرحلة بالنسبة لليوم، موضحاً أنه كلما زاد زمن البقاء بالسيارة بالنسبة لساعات العمل أو إنجاز المهمة المقصودة كان ذلك سيئاً ومردوده أسوأ على الإنتاجية”.
أثر الازدحام على الرياض
وقال “بالتأكيد فإن الازدحام المتزايد في مدينة الرياض لا يتناسب مع الهدف الاستراتيجي بتحويل مدينة الرياض لمدينة ذات اقتصاد مزدهر، ولا يتناسب مع خطط رفع جودة الحياة لسكان المدينة، حيث إن هذا الازدحام وسهولة حركة المرور والتنقل بين أجزاء المدينة يجب أن تكون هدفا محورياً لتطوير”.
حلول مقترحة
واقترح المهندس عبدالعزيز “يجب مساهمة المشاريع الاستثمارية الضخمة بحل مشاكل الازدحام في الطرق المحيطة بها، فعندما يقام مشروع سينتج عنه 5000 رحلة يومياً لابد أن يقدم حلولاً بدراسات ويقوم بتنفيذها لاستيعاب هذا العدد دون زيادة في الازدحام، ويتم دمج أنفاق تصريف السيول بأنفاق لمرور السيارات (على غرار التجربة الماليزية)، وتكليف الهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض بتطوير شبكات الطرق والمواقف في المدينة وتولي إدارة الحركة عليها.