الحرب الصهيو – صليبية
بقلم: د. مشاري النعيم
يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه الحرب الصهيو – صليبية مستمرة حتى لو انتهت الحرب الحالية، وهذا الوضع يفرض علينا ألا نتهاون في الأيام القادمة، فمن حقنا أن نعيد التفكير في الحالة التي وصلنا إليها وأن نعمل على تجاوزها، نحن أمة عُرفت باستجابتها العالية للضغوط والمحن..
التاريخ يعيد نفسه؛ فكما استدعى الصليبيون جيوشهم لغزو فلسطين والمنطقة العربية في القرون الوسطى ها هم يتكالبون علينا ويستدعون جيوشهم لخوض حرب صهيو – صليبية ظنا منهم أنهم يستطيعون تقويض وجودنا، ومهما أنكروا أنه ليس للدين صلة بهذه الحرب إلا أنهم يعلمون أنهم لكاذبون، إنها حرب دينية تقف وراءها مصالح اقتصادية ورغبة تاريخية في اجتثاث الإسلام فهو العدو الأكبر لوجودهم. شيطنة الإسلام والمسلمين لم تكن إلا بداية، وسيأتي من ورائها محاولات لن تنتهي لإضعافنا، فنحن والروم في “رباط”، أي حرب ونزاع، إلى يوم القيامة، وأي هدنة ما هي إلا تحضير لمرحلة أخرى من النزاع، وحتى لو جنحنا للسلم فهم لن يجنحوا له أبدا.
العقل الغربي، عقل عنصري يؤمن بالتفوق للغرب فقط، كما أنه عقل غير أخلاقي، وإن تظاهر بالأخلاق والمبادئ، ولديه استعداد لإبادة الآخر بدم بارد واختلاق المبررات لعنصريته وهمجيته، لذلك يجب ألا يرجو العالم، وليس العرب المسلمون فقط، أي إنصاف من هذا العقل المتعالي.
هل انكشف الغرب خلال حرب الثلاثة أسابيع الأخيرة على غزة؟ أم أن “الغرب” مكشوف لكن الكل يغمض عينيه لأنه لا يريد أن يرى الواقع؟ في بداية حرب أوكرانيا ظهر الانحياز غير الأخلاقي من قبل الحكومات والشعوب الغربية، وبوقاحة متناهية، للاجئين الأوكرانيين، فقلنا حقهم والأقربون أولى بالمعروف، وعندما تحدثوا ظهر ما تخفي قلوبهم مصداقا لقول الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانةً من دونكم لا يألونكم خبالًا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون” (آل عمران: 118).
العقل العنصري العميق جزء من الجينات الغربية التي يصعب انتزاعها، وحتى أولئك المتعاطفين معنا، هم في الحقيقة يملكون بعض الأخلاق لكنها لا تجعلهم يصلون إلى النهاية لدعم مصالحنا، ولو تم تخييرهم فعلا لاختاروا انتماءهم وما تفرضه جيناتهم عليهم.
كنت أصنف نفسي على أنني لا أدعم الانحياز ولا أشجع الفكر المنحاز، لأنه يجر إلى العاطفة وبالتالي الحكم على الأشياء بفكر عاطفي لا يرى الأشياء بوضوح، لكن اكتشفت أن العالم برمته منحاز ضدنا، وأنه ما لم ننحز إلى وجودنا ومصالحنا فلن ينحاز لنا أحد أبدا، وأن ما يسمى “الحياد” حتى في الأفكار ليس له وجود، لأنه ببساطة لا يتوافق مع واقع البشر. ومع ذلك لا أريد أن أصدر أحكاما عاطفية أو مبنية على ردود أفعال، لكن في الواقع من يتتبع الأحداث التاريخية سوف يجد أن جوهر العقل الغربي منحاز ولم يكن في يوم على الحياد حتى في إنتاجه المعرفي والفلسفي والتاريخي. لذلك من يريد الحياد فهذا شأنه وفي هذه الحرب الصهيو – صليبية نحن قلبا وقالبا مع إخواننا في غزة.
قد نكون ضعفاء اليوم، وقد يرى البعض أننا يجب ألا نظهر مواقفنا الرافضة للاستسلام لأننا لا نستطيع الوقوف في وجه أعدائنا لكن علينا أن نتذكر أنه من الواجب علينا ألا نهن ولا نحزن وأن نعد العدة ما استطعنا، وأن نسعى لتشخيص ضعفنا وأن نعمل على معالجة هذا الضعف، الانحياز يكون بالتغيير لا بالركون للعاطفة، بالبحث عن مسببات الضعف ومحاولة تجفيف منابعه لا بالتوقف عند الأمنيات والأحلام، هذه الحرب التي يشنها الغرب علينا بتحالفه مع الصهيونية يفترض أن تقودنا إلى تحديد أولوياتنا، فماذا نريد أن نكون في المستقبل، أنريد أن نكون أمة لها إرادة أو أن نختفي من الوجود كما اختفت أمم قبلنا؟، لا أتحدث هنا بحماس دون أن أقيس الممكنات التي تدعم وجودنا القوي في المستقبل، بل أنا على يقين أننا نملك هذه الممكنات ونستطيع توظيفها لتغيير الواقع الذي نعيشه الآن.
يجب أن نضع في اعتبارنا أن هذه الحرب الصهيو – صليبية مستمرة حتى لو انتهت الحرب الحالية، وهذا الوضع يفرض علينا ألا نتهاون في الأيام القادمة، فمن حقنا أن نعيد التفكير في الحالة التي وصلنا إليها وأن نعمل على تجاوزها. نحن أمة عرفت باستجابتها العالية للضغوط والمحن، كما قال ذلك المؤرخ “أرنولد توينبي”، كما أننا نعلم أننا سنكون دائما في الخطوط الأمامية عندما يكون الصراع بين بقاء الحضارات والثقافات، ويجب علينا القيام بواجبنا كما قام به أجدادنا من قبل عندما واجهوا تهديدا وجوديا مباشرا، وكما ذكرت في مقال سابق، القوة تكمن داخلنا، وليست تلك التي يتصدق بها الآخرون علينا.