يأتي تنفيذ أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم بمنطقة نيوم السعودية -أحد المشروعات العملاقة بالبلاد- في إطار جهود المملكة نحو مواصلة دورها القيادي بسوق الطاقة العالمية، التي تشهد تحولًا نحو التقنيات منخفضة الانبعاثات، من أجل تحقيق أهداف الحياد الكربوني بحلول عام 2050، خاصة أنها تمتلك إمكانات هائلة تؤلها لأداء دور رئيس في عالم منخفض الكربون.
وتأمل السعودية -التي تُصنَّف بأنها ثاني أكبر منتج للنفط وأكبر مورّد له عالميًا- في تبوُّء موقع قيادي بسوق الهيدروجين الأخضر، من خلال الاستفادة من الإمكانات الطبيعية التي تتميز بها، وتساعدها على إنتاج ذلك الوقود بتكلفة أقلّ.
وتستعرض وحدة أبحاث الطاقة، في السطور التالية، أبرز المعلومات والأرقام عن أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، الذي يهدف إلى دعم رؤية السعودية 2030:
خطوات الانطلاق
شهد عام 2020 أولى خطوات مدينة نيوم نحو التحول إلى لاعب رئيس في سوق الهيدروجين عالميًا، من خلال توقيع اتفاقية شراكة بين شركة نيوم وشركتي أكوا باور السعودية وإير بروداكتس الأميركية، ما أسفر عن تأسيس شركة “نيوم للهيدروجين الأخضر”.
ومثّلت تلك الشراكة أول استثمار لمدينة نيوم في مجال الطاقة المتجددة، من خلال بدء خطوات فعلية لتنفيذ أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم.
ويأتي إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في إطار سعي المملكة نحو إمداد مدينة نيوم وتشغيلها بطاقة نظيفة بصورة كاملة، بهدف تحقيق اقتصاد دائري والوصول إلى حيادية الكربون.
ومن المقرر أن يعتمد المصنع على الطاقة الشمسية والرياح في توليد الكهرباء اللازمة لإنتاج ذلك الوقود صديق البيئة، الذي يمثّل أحد الحلول المستدامة لقطاع النقل العالمي.
وتستهدف السعودية من المصنع توفير الهيدروجين الأخضر بصفة وقود نظيف لقطاع النقل والمواصلات، بالإضافة إلى الاستعمال في صناعة الكيماويات، خصوصًا من جانب الشركات السعودية الرائدة مثل أرامكو وسابك ومعادن، إذ يعدّ أساسيًا للمواد الكيميائية الخضراء، مع التصدير إلى السوق العالمية.
ويشار إلى أنه مع بداية تشغيل أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر عالميًا سيُصدّر كامل إنتاجه إلى الخارج، على شكل أمونيا خضراء، إذ إن الشريك الأميركي في المصنع سيكون هو المشتري الحصري للأمونيا الخضراء، مع نقله إلى الأسواق العالمية.
لماذا اختيرت نيوم للمشروع؟
تقع منطقة نيوم على ساحل البحر الأحمر شمال غرب السعودية، لتضم عدّة مدن، منها “ذا لاين” و”أوكساجون” التي تمثّل مركز المنطقة للصناعات المتقدمة والنظيفة، وتحتضن أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم.
وتؤكد شركة نيوم أن موقع مدنها يأتي ضمن المناطق القليلة في العالم التي يمكن فيها إنتاج الهيدروجين الأخضر بكميات كبيرة وبسعر تنافسي، وهو ما أرجعته إلى مناخ المنطقة الملائم وأشعة الشمس الوفيرة.
ويوفر موقع نيوم على ساحل البحر الأحمر عدّة عوامل طبيعية ،كأشعة الشمس والرياح، ما يشجع على توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، التي تمثّل العنصر الرئيس في إنتاج الهيدروجين الأخضر وتصديره لتلبية احتياجات الأسواق المستوردة مثل اليابان وأوروبا.
ويمتد ساحل منطقة نيوم على البحر الأحمر لنحو 450 كيلو مترًا مربعًا، ما يوفر لها ميزة الاستفادة من 13% من حركة التجارة العالمية التي تمرّ عبر البحر الأحمر.
إنشاء شركة لمصنع الهيدروجين
بناءً على الاتفاقية الثلاثية الموقّعة بين شركة نيوم و شركتي أكوا باور و إير برودكتس، تَقرَّر تأسيس شركة نيوم للهيدروجين الأخضر.
ومن المقرر أن تكون الشركة الجديدة هي المسؤولة عن إنشاء أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، بالاعتماد على الطاقة المتجددة.
وفي مايو/أيّار العام الماضي (2022)، تقرَّر تعيين ديفيد إدموندسن رئيسًا تنفيذيًا للشركة، لقيادة مرحلة تأسيس الشركة الجديدة.
والرئيس التنفيذي للشركة قادم من شركة إير بردوكتس الأميركية الشريك الثالث في تأسيس نيوم للهيدروجين الأخضر، تولّى خلال وجوده فيها على مدار 34 عامًا مناصب قيادية بقطاعات الهندسة وإنتاج الغاز.
وحصل ديفيد إدموندسن على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة ليفربول، وماجستير إدارة الأعمال من جامعة كينغستون.
معلومات أساسية عن المصنع
يقع أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم بمدينة أوكساجون في منطقة نيوم السعودية، بمساحة إجمالية تصل إلى 300 كيلو متر مربع تقريبًا.
وتصف المملكة مدينة أوكساجون بأنها أكبر تجمّع صناعي عائم في العالم، ومركز للصناعات النظيفة والمتقدمة.
وتبلغ قيمة الاستثمارات الإجمالية لمصنع الهيدروجين الأخضر نحو 8.4 مليار دولار، وتُقدَّر قيمة اتفاقيات عقود الهندسة والمشتريات والبناء مع شركة إير برودكتس الأميركية بنحو 6.7 مليار دولار.
ومن المستهدف إنتاج نحو 4 غيغاواط من الطاقة الشمسية والرياح، لتشغيل التحليل الكهربائي الخاص بالمصنع لإنتاج 1.2 مليون طن متري من الأمونيا الخضراء سنويًا، أي ما يوازي 600 طن متري من الهيدروجين الأخضر يوميًا.
ومن المقرر أن تصل قدرة أجهزة التحليل الكهربائي، التي تنتجها شركة تيسين كروب الألمانية، إلى 2.2 غيغاواط لإنتاج الهيدروجين، قبل أن يُحوَّل في النهاية إلى أمونيا خضراء لتسهيله عملية النقل والتصدير.
ومن المتوقع الانتهاء من تنفيذ المصنع وبدء الإنتاج بحلول عام 2026، ليصبح أكبر مصنع خالٍ من الانبعاثات الكربونية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم.
ومع بدء تشغيل المصنع سيكون كامل إنتاجه من الهيدروجين الأخضر مخصص للتصدير العالمي، وذلك من خلال اتفاقية حصرية طويلة الأجل مع شركة إير برودكتس، تبلغ مدّتها نحو 30 عامًا.
ومن المتوقع أن يسهم في الحدّ من انبعاثات الكربون بمعدل 5 ملايين طن متري سنويًا، مع إنجاز المشروع بالكامل، وفق المعلومات التي اطلّعت عليها وحدة أبحاث الطاقة.
وكانت وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، قد منحت في شهر يناير/كانون الثاني 2023، رخصة التشغيل الصناعي الأولى لشركة نيوم للهيدروجين الأخضر.
كيف سيُمول المصنع؟
في ديسمبر/كانون الأول 2022، وقّعت شركة نيوم للهيدروجين الأخضر مستندات تمويل مع مصارف محلية وإقليمية ودولية، إضافة إلى تنفيذ خطاب التزام مع صندوق التنمية الصناعي السعودي الذي سيشارك بدور رئيس في تمويل أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم.
ونجحت شركة نيوم للهيدروجين الأخضر في إتمام مرحلة الإغلاق المالي خلال شهر مايو/أيار 2023، لتنفيذ المصنع بتكلفة استثمارية تصل إلى 8.4 مليار دولار.
وجاء ذلك بعد توقيعها مستندات مالية مع 23 مصرفًا وشركات استثمار محلية وإقليمية ودولية، متضمنةً تمويل بدون حق الرجوع بقيمة 6.1 مليار دولار.
كما اعتمدت نيوم للهيدروجين الأخضر مؤسسةَ “إس آند بي غلوبال” للتصنيفات الائتمانية، طرفًا ثانيًا مستقلًا يقدّم رأيًا موضوعيًا لهيكلة التمويل دون حق الرجوع، في إطار تأكيد التزام أكبر مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم بشروط القروض الخضراء.
المصدر: أرقام